سامي محمد
عدد المساهمات : 96 تاريخ التسجيل : 11/12/2015 العمر : 38
| موضوع: الملامح العامة للحركة الاسلامية السودانية- رابعا : البحث عن المنهج والنظام السبت ديسمبر 12, 2015 4:04 pm | |
| رابعا : البحث عن المنهج والنظام وحينما كتب الترابي عن الصلاة ، لم يركز على أبعادها الروحية المعروفة لدى كل مسلم ، بل كان تركيزه على المعاني العملية والتنظيمية للصلاة ، مثل : ? الوحدة التي يجسدها اجتماع الناس في المسجد . ? والمساواة التي يعبر عنها اصطفاف المصلين على صعيد واحد . ? والنظام الموجود في مبدإ اتباع الإمام ، وفي تسوية الصفوف . ? والشورى التي توجد في عملية اختيار الإمام ، وفي نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن "يؤم الرجل قوما وهم له كارهون" (20) . ? والطاعة بالمعروف التي يجدها المرء في الفتح على الإمام وتصليح أخطائه (21) . وفي تركيز الترابي على هذه المعاني التنظيمية في الصلاة استمرار لفلسفته العملية التي تعطي أولوية لمبدإ الفاعلية ، وترى أزمة التدين عند المسلمين ناشئة عن ضياع نظام الجماعة ، ونقص الفاعلية ، لا عن ضياع أصل الإيمان . وفي بحثه عن سر اختلال التوازن في التاريخ الإسلامي بين فقه المبدإ وفقه المنهج ، توصل الترابي إلى تلك الحقيقة المرة التي بسطها في قوله : " إن المسلمين قد قصروا كثيرا في شريعة الجماعة ونظامها ، وذلك هو الجانب الأكثر عرضة للفتنة ، حيث يبدأ نقصان كل ملة دينية من تلقائه . ولربما كان انفجار الدعوة الإسلامية بالفتوحات أوسع تطورا من المعالجات الإسلامية النظامية لجماعة المسلمين ، فضلا عن أن غياب الحكم الراشد ضيع نظام الجماعة ، وغدا التدين تفقها وعملا مركَّزا على الحياة الخاصة للأفذاذ ومعاملاتهم المباشرة ، وتضاءلت في الفقه والواقع معاني المعادلة بين الجماعة والفرد ، أو النظام والحرية ، ونظْم ولاية الأمر العام ، وإجراءات الاجتماع والشورى والإجماع ، وتراتيب التخصص الوظيفي ، وممارسة السلطة ، وعلوم الإدارة الأتقن والأحسن " (22) . وهو يجد في هذه الخلفية التاريخية التي تبين " البؤس في التراث التنظيمي للمسلمين …" (23) تفسيرا جزئيا لظاهرة التخلف المنهجي والتنظيمي في الحركات الإسلامية " فالفقه التنظيمي لجماعات الصحوة ما ينفك ضئيلا ، لأنه ينبني على بؤس في التراث الفكري في هذا الباب" (24). وفي تشخيص الدكتور الترابي لأدواء الحركات الإسلامية المعاصرة ، وأسباب التعثر في مسيرتها لخص السبب في أن " فقه المبدإ لديها أنضج من فقه المنهج والتنظيم" (25) . وهي خلاصة دقيقة ، تضع اليد على عمق الداء في جملة واحدة . فالحركات الإسلامية تعرف "ماذا" لكنها لا تعرف "كيف" ، تعرف الغاية ، لكنها تهمل الوسيلة ، تعرف ما لا تريد أكثر مما تعرف ما تريد ، "ينصب اهتمامها على إبطال الباطل ، لا على إحقاق الحق" كما يقول الترابي نفسه (26) . ولم تسلم الحركة الإسلامية في السودان أول عهدها من تلك المساوئ ، فقد لاحظ الأفندي أن "حركة التحرير الإسلامي" - وهي أول تنظيم إسلامي سوداني - " كانت تهتم بالبنية والقيادة قليلا ، وبالأهداف والغايات العامة كثيرا" (27) . وكأنما لم يدرك الإسلاميون ما يؤدي إليه الانشغال بالهدف العام عن الوسائل الخاصة من ترف نظري ، وتآكل داخلي ، وجمود في المسيرة . وإذا كانت هذه المساوئ غائبة عن بال بعض الإسلاميين ، فهي ليست غائبة عن الباحثين الغربيين الذين يرصدون الصحوة . فقد لاحظ "غراهام فولر" ذلك فقال : " يحتاج الإسلاميون إلى صياغة قواعد سياسية وتكتيكية ذات صلة بالواقع السياسي السائد . وهو أمر يتطلب استيعابا عمليا للمسرح السياسي . فالإلحاح على المبادئ العامة لا يغني شيئا ، إذا تم تضييع فرص الاستفادة من الواقع السياسي والاجتماعي" (28)
| |
|