سامي محمد
عدد المساهمات : 96 تاريخ التسجيل : 11/12/2015 العمر : 38
| موضوع: معايير تقييم الحركات الاسلامية - محمد مختار الشنقيطي السبت ديسمبر 12, 2015 3:56 pm | |
| وقد اعتمدت عددا من معايير التقييم في هذه الدراسة ، يميل المطلعون على العلوم الاستراتيجية والتنظيمية إلى اعتبارها صالحة للحكم على التنظيمات السياسية عموما ، بغض النظر عن التفاصيل والخصوصيات . هذه المعايير هي :
أولا : معيار المرونة
فكلما كان مستوى المرونة عاليا ، كان ذلك أدعى لنجاح التنظيم . والمرونة أنواع :
• مرونة وظيفية تتعلق بأهداف التنظيم ووظائفه ، بأن يكون التنظيم قادرا على تغيير بعض أهدافه المرحلية ووظائفه العملية التي تم إنجازها أو تعذر ، واستبدالها بأهداف ووظائف أهم في الظروف الجديدة أو أيسر من حيث الإنجاز . وكل تنظيم لا يستطيع التحرر من بعض وظائفه وأهدافه المرحلية ، وتبنِّي وظائف وأهداف أكثر انسجاما مع إمكاناته في الظروف المتغيرة ، فهو محكوم عليه بالجمود والموت البطيء . على أن التحرر من الأهداف المرحلية أو بعض الوظائف ، لا يعني تحررا من الغايات العليا التي هي مبرر وجود التنظيم .
• مرونة إجرائية تتعلق ببنية التنظيم وإجراءاته الداخلية ذات الصلة بتغيير قادته واتخاذ قراراته . بأن يكون التنظيم قادرا على تغيير قيادته بيسر، وبأسلوب مرن يفتح باب الصعود إلى القيادة والنزول منها ، بناء على معايير موضوعية لا شخصية ، ودون انقطاع في المسيرة أو تمزق في الصف ، وقادرا على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون تلكؤ أو عرقلة.
• مرونة عملية تتمثل في تعاطي التنظيم مع التحديات المتغيرة بأسلوب متغير، دون جمود على الأساليب السابقة ، حتى ولو أثبتت جدواها في الماضي . بل إن نجاحها في الماضي قد يكون أحيانا مغريا بالتشبث بها في واقع مغاير، فيدخل الخلل من هذا الباب ، ويسقط التنظيم ضحية لنجاحاته وأمجاده السالفة .
ثانيا : معيار التماسك
فكلما كان تماسك التنظيم أقوى ، كان ذلك قرينة على نجاحه وإمكانية صموده أمام التحديات. ويتطلب التماسك الفعال قدرا كبيرا من الإجماع الداخلي حول أمور جوهرية ثلاثة :
• طبيعة التنظيم ورسالته ، لا على مستوى الهدف الأسمى ومبرر وجود التنظيم فحسب - فذلك أمر سهل – بل على مستوى الأهداف المرحلية الأساسية ، والوسائل الفعالة التي ينبغي تبنيها لتحقيق تلك الأهداف .
• قيادة التنظيم : هيكلا وصلاحيات وأشخاصا . وتلك هي الشرعية الداخلية التي تعتبر أكبر ضامن للتماسك وأعظم حام للوحدة .
• وسائل حل الخلافات الداخلية طبقا لترتيبات متفق عليها ، بحيث يمكن احتواء تلك الخلافات – سواء تعلقت بالتوجه أو بالمسيرة أو بالقيادة– بأسلوب سلمي مرن ، لا يؤثر انشقاقا في هيكل التنظيم ، أو تعثرا في مسيرته ، أو انحرافا في وجهته .
ثالثا : معيار الاستقلالية
والمراد به أن يكون للتنظيم كيان معنوي وشخصية اعتبارية متميزة عن غيره من الأفراد والقوى الاجتماعية ، بحيث لا يتوقف في وجوده ولا في فاعليته على غيره من القوى ، ولا يكون أداة لخدمة أي منها . بل يكون مُكرَّسا لخدمة الأهداف التي من أجلها أُنشئ . إن تنظيما استطاعت فئة اجتماعية – أسرة أو قبيلة أو جهة أو طبقة - تسخيره لمصالحها الخاصة لا يمكن وصفه بالاستقلالية . فالتنظيم المستقل تنضوي تحته القوى الاجتماعية وتخدمه وتتبنى أهدافه . وقد تحصل هذه القوى على ثمرات من وراء انضوائها تحت رايته ، لكن أهدافها تكون تبعا لأهداف التنظيم ونتيجة عرضية لتقدمه في تحقيق رسالته . فإذا أصبحت أهداف الأفراد أو القوى الاجتماعية المكوِّنة للتنظيم في درجة فوق أهداف التنظيم أو منافسة لها ، فقدْ فقدَ التنظيم معيار الاستقلالية .
رابعا : معيار التركيب
والمراد به مضاعفة الهياكل وتنوعها وتشعبها . ويشمل التركيب التمايز بين البُنى والوحدات التنظيمية ، والفصل بينها هرميا ووظيفيا وجغرافيا ، مع التكامل والتوازن فيما بينها ، باستناد بعضها إلى بعض ، وتحكم بعضها في بعض . فالتركيب يساعد التنظيم على بناء هويته الذاتية المستقلة عن الأشخاص ، وتوطيد استقراره واستمراره ، وتأكيد شخصيته الاعتبارية التي لا تتوقف في وجودها ولا في مسيرتها على وجود زعيم مؤسس ، أو جيل رائد . وقد لا يروق التركيب التنظيمي للقادة الذين يميلون إلى الاستبداد والهيمنة ، فيُبقون تنظيماتهم في حال من السذاجة والبساطة يمكِّنهم من التحكم فيها . لكن هؤلاء بقدر ما يخدمون سلطتهم الشخصية على المدى القريب ، فإنهم يضعفون التنظيم كمؤسسة على المدى البعيد .
خامسا : معيار الاستيعاب
فالغاية من بناء أي تنظيم هي الإحساس بالحاجة إلى تنسيق جهود جماعية ، وترشيدها وتسديدها، وتصويبها نحو هدف مشترك ، وتجنب تبديد الجهود أو تضاربها أو تناسخها ، بسبب التوارد على نفس المكان دون تنسيق أو تناغم . فإذا استطاع التنظيم أن يستوعب أعضاءه ، وينسق بين جهودهم ، بحيث يجد كل منهم مكانه المناسب دون إحساس بالغبن أو التهميش أو استئثار رفقاء الدرب بأمور التنظيم من دونه ، دل ذلك على أن التنظيم يسير في الاتجاه الصحيح . أما إذا حدث العكس ، وفقد بعض الأعضاء ثقتهم في التنظيم لضعف في الإيمان بالأهداف ، أو لنقص في الثقة بالقيادة ، أو لمجرد الإحساس بالغبن ، أو سوء توجيه الجهد ، فذلك مؤشر سلبي يدل على أن التنظيم بدأ يفقد رسالته ، ويتحول إلى قيد على الطاقات الفردية التي كان أداة ترشيدها وتسديدها .
سادسا : معيار الإيجابية
والمراد به أن يحافظ التنظيم على زمام المبادرة في شؤونه ، ويتفاعل بإيجابية مع تطورات مجتمعه . فذلك هو المدخل الوحيد إلى نمو التنظيم نموا طبيعيا دون طفرات مباغتة غير محسوبة ، ويحميه من الجمود والبقاء على هامش المجتمع . وتستلزم الإيجابية قدرا من الواقعية تشجع الخير مهما لابسه
من غبش ، وتتعايش مع الشر من أجل تغييره ، دون يأس من الناس ، أو تسرُّع غير منضبط، أو خروج على المجتمع . ولا تترك فراغا يعين عوامل الشر والسلبية على التمكن والرسوخ . وتؤمن بالجهد الدؤوب مهما كان متواضعا ، وبالعمل الصامت المؤثر ، وبالسير المتدرج في تحقيق الغايات المبتغاة . ولا يتم هذا إلا باستيعاب عوامل القوة والضعف في المجتمع ، وجوانب التقدم والقصور في المسيرة ، ووسائل الاكتساب والتأثير ، وعوامل التسريع بالتغيير ، مع انتباه لأي ثغرة تُفتح ، واستغلال لكل فرصة تَسنح .
| |
|